لتصوير الحسي في القرآن وأساليبه ونماذج منه :
جامعة أم القرى - احمد نافع سليمان المورعي
إن كلام البشر يتجه أكثر ما يتجه إلى العقل لإقناعه بما يحمله من أفكار وآراء ، غير أن الكلم القرآني يتجه إلى العقل والفكر والنفس والوجدان ، فيبعث في الخيال الإنساني صورا حية تخاطب الحواس بكل ما يلائمها من عناصر الطبيعة والحياة ، فتترك في الأفكار والضمائر تأثرات وانفعالات قوية فريدة تحشد نوازع الخير في الفكر والنفس والوجدان والإرادة لتتبنى المضمون القرآني عقيدة وعبادة وخلقا وتشريعا، وتجاهد في سبيل حمايته ونشره وإعلاء رايته .
فلو استعرضت القرآن من بدايته إلى ختامه فستجد طريقة خاصة في التعبير الفني ، تكسو أسلوب القرآن حتى يصطبغ بألوانها البراقة الزاهية ، فإنك لن تجد فيه بيانا مجردا لمعنى ذهني أو حالة نفسية أو حادث مادي أ ومشهد منظور أو طبيعة آدمية أو موقف من مواقف يوم الحساب ، بل تجده .....
عبر عن كل منها بصورة محسوسة متخيلة ، حاضرة شاخصة، صورها بالألوان أو الحركات أو الإيقاع ، ومزج بها جرس الكلمات ونغم العبارات ، حتى بسري في أوصالها الحياة وتدب في جنباتها الحركة ، فإذا خلع عليها الحوار فقد نفخ فيها الروح فاكتملت فيها كل عناصر التخييل الحسي والتشخيص الحي ، حتى تريك ساحة الحوادث على بساط الطبيعة والواقع ، وتنسى أن هذا كلاما يتلى ، لأن القرآن قد أحالك من قارئ أ ومستمع إلى مشاهد يتابع المناظر وتجدد الحركات وفيض الانفعالات الدافئة والوجدانات المتجاوبة مع الحوادث الجارية ... فتتبدى لك صورة حية بارعة خلابة ، تهيمن على مشاعرك وأحاسيسك حتى تجعلك أمام قبس من الحياة الحقيقية.
لا تستطيع بعد هذا أن تحكم بأن التصوير الحي في القرآن مجرد حلية يزدان بها أسلوبه هنا أوهناك . فالتصوير طريقة مترعة وخصيصة شاملة ذات ألوان منبثة في جنبات القرآن الكريم ، فلا تقدر على تحديد أمثلة له في القرآن الكريم ، فلا تقدر على تحديد أمثلة له في القرآن ، لأن القرآن كله يتجلى بهذه المزية.
وما قيمة هذه المزية ؟
لكي ندرك حقيقة التصوير الحي في القرآن عليك أن تتأمل منه المعاني والمضامين في عبارات تجريدية تصوغها لنفسك ثم تقارن بينها وبين الصور التي تعضها آيات القرآن المبين ، فستجد أن الطريقة التجريدية قد خاطبت العقل وأوصلت إليه المعاني مجردة من هالتها الرائعة وظلالها الجميلة ، حتى غدت المعاني بالتجريد جامدة لا روح لها فاقدة سر الحياة ومظاهرها . بينما تجد للصورة القرآنية حيوية تخاطب العقل كما تخاطب النفس والحس والوجدان وتنفذ إلى أغوار القلوب وأعماق الضمائر.
إنك تجد بعض الدعوات قد انصب اهتمامها على إثارة العاطفة والوجدان فلم تثبت وانهزمت أمام البحث الفكري الموضوعي ، وتجد دعوات أخرى أغرقت في العقلانية حتى بدت جافة جامدة فانصرفت عنها القلوب . لقد قرر علماء الاجتماع والدراسات الإنسانية في عصرنا ؛ أن الإنسان يحتاج لقبول أي عقيدة إلى إقناع عقله وراء وجدانه وعواطفه ، وإرضاء نزوعه الفطري وتوجيه إرادته . ولقد تمثل هذا في الدعوة القرآنية الإلهية في أكمل الصور وأروعها على الإطلاق . فبلغت في ذلك من التناسق مستوى عظيما تعجز عنه الخلائق إلى الأبد . وذلك آية أنه دعوة الحق الإلهية وتنزيل من الحكيم العليم. فها هي دعوة القرآن العظيم بعد أربعة عشر قرنا حينما تؤدَّى بشكل يمثل فعلا تلامس شغاف القلوب وتهوي إليها الأفئدة وينساق أناس غرباء عنها إلى الدخول في دين الله أفواجا أفواجا ، ودليل ذلك ما يحصل في العلم المتمدن اليوم على الرغم من الضعف للدعوة والدعاة فيه.
نماذج من التصوير الحسي في القرآن الكريم:
إن قواعد البلاغة إنما اقتبست من القرآن الكريم ، وصارت تدرس لتفهم بها الفنون السامية للكتاب العزيز ، فهي علوم آلة ، والقرآن الكريم هو الحاكم عليها المتصرف فيها ، ولا سبيل لها عليه إلاّ الأخذ بيد دارسه ومتأمله ليقف على مواطن الجمال والإبداع فيه ؛ بقدر ما تتسع له الطاقة والاجتهاد ؛ وما تبلغه الفطانة والحصافة في طلب العلم . لكن هذه الفنون البلاغية الجمالية ليست شاذة ولا غريبة على مألوف فصحاء العرب وبلغائهم ، فجاهم القرآن بجنس ما عندهم ؛ لكنه أتاهم في ذلك بصور ونماذج عجيبة الألوان ؛ فائقة الحسن ؛ بارعة الجمال ، قوية التأثير ، تفوق إبداع البشر وتعجزه ، فلا يحاذيها ولا يدانيها شيء مما تفيض به قرائحهم أو تتمخض عنه عبقرياتهم .
والبحث عن الفنون البلاغية التي اتخذها القرآن وسائل وأدوات للتصوير الفني بحث عميق الأغوار ، يطول استقصاؤه ، ولكن من المستحسن تقديم نماذج من أدوات التصوير الفني ، تظهر ألوانا من التعبير القرآني، وتزود القارئ بأصول تقوي ملكته في فهم أسلوب القرآن المبين، منها:
1- تعميم الخطاب: وذلك بأن يتوجه الخطاب إلى مخاطب غير معين ؛ بقصد استجلاب الصورة إلى ذهن السامع مهما كان حاله وعلمه ، سواء أكان على اطلاع على الأمر من قبل أم على غير علم سابق به . قال الله تعالى : ) ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله . قال : هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ! قالوا : وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ؟ فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين ([1]
افتتحت الآية بهذا الاستفهام ) ألم تر ..( [2] فجعلتك أمام حدث يجري وواقع مشاهد منظور ... أشراف بني إسرائيل ووجوههم ؛ ذوو الرأي والهيبة والكلمة المسموعة فيهم ؛ يجتمعون إلى نبي من أنبيائهم ، ويطلبون منه أن يعين ملكا لدولتهم ، يقاتلون تحت رايته، ويتصدون بقيادته لحرب أعدائهم في سبيل الله تعالى .
مطلب كريم وقصد عزيز شريف نبيل يرفعهم في أعين الناظرين ، لكن الحوار يشف عن صورة بواطنهم ، فيوجه إليهم نبيهم سؤالا يقرر فيه حالتهم المرتقبة ؛ بعد أن يفرض عليهم الجهاد في سبيل الله فيقول هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا !؟( وفي غليان مضطرم وحماسة دافقة واندفاع عنيف يستنكرون أن يتخلفوا عن الجهاد أدنى تخلف ! كيف وقد شردهم عدوهم وسلبهم أوطانهم وسبى أبناءهم !! كيف يحتمل منه نكوص عن الجهاد في سبيل الله ) وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا !؟(
فارتقب منهم ما شئت أن ترتقب من الجهاد المستميت ! وتوقع لهم ما يصور خيالك من النصر المؤزر ... ! لكن ترد عليك صورتهم وقد فرض عليهم القتال وشمرت الحرب عن ساقيها ... !!! ) فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين ( وهذه سمة خاصة من طبائع اليود ، وما درجوا عليه من التّفَلُّت من طاعة الله والنكوص عن أمر الله ونقض العهود والمواثيق ، وجاءت فاصلة الآية تشي صورة موقفهم بالقبح والاشمئزاز ، وتحمل على استنكاره واستهجانه ) والله عليم بالظالمين ( وأي ظلم أعظم من خيانة عهد الله وميثاقه ؛ وخذلان نبيه وعصيان شرعه بالتولي عن الجهاد في سبيل الله والفرار يوم الزحف !! ؟؟ [3]
وتأمل هذا التصوير البارع بمطلع يثير الخيال ويستجمع شتات الذهن ؛ إذ توجه إليه بخطاب مباشر عام ، يعم كل امرئ من الناس ، قال الله تعالى : )ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ، ربنا أبصرنا وسمعنا ، فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ( [4]
(يتبع بإذن الله تعالى)
---------------------------------------
[1] ) من سورة البقرة : 246
[2] ) شبه حال من لم ير الحادث بحال من رآه ، فلا يصح أن يخفى عليه ، وينبغي له أن يتعجب منه . وأجرى الكلام معه كما يجريه مع من رآه ؛ للمبالغة في شهرته وعراقته في إثارة التعجب .
[3] ) انظر روح المعاني : ج2ص138 و142-143
[4] ) سورة السجدة : 12
منقول من صفحة اسلاميات
جامعة أم القرى - احمد نافع سليمان المورعي
إن كلام البشر يتجه أكثر ما يتجه إلى العقل لإقناعه بما يحمله من أفكار وآراء ، غير أن الكلم القرآني يتجه إلى العقل والفكر والنفس والوجدان ، فيبعث في الخيال الإنساني صورا حية تخاطب الحواس بكل ما يلائمها من عناصر الطبيعة والحياة ، فتترك في الأفكار والضمائر تأثرات وانفعالات قوية فريدة تحشد نوازع الخير في الفكر والنفس والوجدان والإرادة لتتبنى المضمون القرآني عقيدة وعبادة وخلقا وتشريعا، وتجاهد في سبيل حمايته ونشره وإعلاء رايته .
فلو استعرضت القرآن من بدايته إلى ختامه فستجد طريقة خاصة في التعبير الفني ، تكسو أسلوب القرآن حتى يصطبغ بألوانها البراقة الزاهية ، فإنك لن تجد فيه بيانا مجردا لمعنى ذهني أو حالة نفسية أو حادث مادي أ ومشهد منظور أو طبيعة آدمية أو موقف من مواقف يوم الحساب ، بل تجده .....
عبر عن كل منها بصورة محسوسة متخيلة ، حاضرة شاخصة، صورها بالألوان أو الحركات أو الإيقاع ، ومزج بها جرس الكلمات ونغم العبارات ، حتى بسري في أوصالها الحياة وتدب في جنباتها الحركة ، فإذا خلع عليها الحوار فقد نفخ فيها الروح فاكتملت فيها كل عناصر التخييل الحسي والتشخيص الحي ، حتى تريك ساحة الحوادث على بساط الطبيعة والواقع ، وتنسى أن هذا كلاما يتلى ، لأن القرآن قد أحالك من قارئ أ ومستمع إلى مشاهد يتابع المناظر وتجدد الحركات وفيض الانفعالات الدافئة والوجدانات المتجاوبة مع الحوادث الجارية ... فتتبدى لك صورة حية بارعة خلابة ، تهيمن على مشاعرك وأحاسيسك حتى تجعلك أمام قبس من الحياة الحقيقية.
لا تستطيع بعد هذا أن تحكم بأن التصوير الحي في القرآن مجرد حلية يزدان بها أسلوبه هنا أوهناك . فالتصوير طريقة مترعة وخصيصة شاملة ذات ألوان منبثة في جنبات القرآن الكريم ، فلا تقدر على تحديد أمثلة له في القرآن الكريم ، فلا تقدر على تحديد أمثلة له في القرآن ، لأن القرآن كله يتجلى بهذه المزية.
وما قيمة هذه المزية ؟
لكي ندرك حقيقة التصوير الحي في القرآن عليك أن تتأمل منه المعاني والمضامين في عبارات تجريدية تصوغها لنفسك ثم تقارن بينها وبين الصور التي تعضها آيات القرآن المبين ، فستجد أن الطريقة التجريدية قد خاطبت العقل وأوصلت إليه المعاني مجردة من هالتها الرائعة وظلالها الجميلة ، حتى غدت المعاني بالتجريد جامدة لا روح لها فاقدة سر الحياة ومظاهرها . بينما تجد للصورة القرآنية حيوية تخاطب العقل كما تخاطب النفس والحس والوجدان وتنفذ إلى أغوار القلوب وأعماق الضمائر.
إنك تجد بعض الدعوات قد انصب اهتمامها على إثارة العاطفة والوجدان فلم تثبت وانهزمت أمام البحث الفكري الموضوعي ، وتجد دعوات أخرى أغرقت في العقلانية حتى بدت جافة جامدة فانصرفت عنها القلوب . لقد قرر علماء الاجتماع والدراسات الإنسانية في عصرنا ؛ أن الإنسان يحتاج لقبول أي عقيدة إلى إقناع عقله وراء وجدانه وعواطفه ، وإرضاء نزوعه الفطري وتوجيه إرادته . ولقد تمثل هذا في الدعوة القرآنية الإلهية في أكمل الصور وأروعها على الإطلاق . فبلغت في ذلك من التناسق مستوى عظيما تعجز عنه الخلائق إلى الأبد . وذلك آية أنه دعوة الحق الإلهية وتنزيل من الحكيم العليم. فها هي دعوة القرآن العظيم بعد أربعة عشر قرنا حينما تؤدَّى بشكل يمثل فعلا تلامس شغاف القلوب وتهوي إليها الأفئدة وينساق أناس غرباء عنها إلى الدخول في دين الله أفواجا أفواجا ، ودليل ذلك ما يحصل في العلم المتمدن اليوم على الرغم من الضعف للدعوة والدعاة فيه.
نماذج من التصوير الحسي في القرآن الكريم:
إن قواعد البلاغة إنما اقتبست من القرآن الكريم ، وصارت تدرس لتفهم بها الفنون السامية للكتاب العزيز ، فهي علوم آلة ، والقرآن الكريم هو الحاكم عليها المتصرف فيها ، ولا سبيل لها عليه إلاّ الأخذ بيد دارسه ومتأمله ليقف على مواطن الجمال والإبداع فيه ؛ بقدر ما تتسع له الطاقة والاجتهاد ؛ وما تبلغه الفطانة والحصافة في طلب العلم . لكن هذه الفنون البلاغية الجمالية ليست شاذة ولا غريبة على مألوف فصحاء العرب وبلغائهم ، فجاهم القرآن بجنس ما عندهم ؛ لكنه أتاهم في ذلك بصور ونماذج عجيبة الألوان ؛ فائقة الحسن ؛ بارعة الجمال ، قوية التأثير ، تفوق إبداع البشر وتعجزه ، فلا يحاذيها ولا يدانيها شيء مما تفيض به قرائحهم أو تتمخض عنه عبقرياتهم .
والبحث عن الفنون البلاغية التي اتخذها القرآن وسائل وأدوات للتصوير الفني بحث عميق الأغوار ، يطول استقصاؤه ، ولكن من المستحسن تقديم نماذج من أدوات التصوير الفني ، تظهر ألوانا من التعبير القرآني، وتزود القارئ بأصول تقوي ملكته في فهم أسلوب القرآن المبين، منها:
1- تعميم الخطاب: وذلك بأن يتوجه الخطاب إلى مخاطب غير معين ؛ بقصد استجلاب الصورة إلى ذهن السامع مهما كان حاله وعلمه ، سواء أكان على اطلاع على الأمر من قبل أم على غير علم سابق به . قال الله تعالى : ) ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله . قال : هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ! قالوا : وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ؟ فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين ([1]
افتتحت الآية بهذا الاستفهام ) ألم تر ..( [2] فجعلتك أمام حدث يجري وواقع مشاهد منظور ... أشراف بني إسرائيل ووجوههم ؛ ذوو الرأي والهيبة والكلمة المسموعة فيهم ؛ يجتمعون إلى نبي من أنبيائهم ، ويطلبون منه أن يعين ملكا لدولتهم ، يقاتلون تحت رايته، ويتصدون بقيادته لحرب أعدائهم في سبيل الله تعالى .
مطلب كريم وقصد عزيز شريف نبيل يرفعهم في أعين الناظرين ، لكن الحوار يشف عن صورة بواطنهم ، فيوجه إليهم نبيهم سؤالا يقرر فيه حالتهم المرتقبة ؛ بعد أن يفرض عليهم الجهاد في سبيل الله فيقول هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا !؟( وفي غليان مضطرم وحماسة دافقة واندفاع عنيف يستنكرون أن يتخلفوا عن الجهاد أدنى تخلف ! كيف وقد شردهم عدوهم وسلبهم أوطانهم وسبى أبناءهم !! كيف يحتمل منه نكوص عن الجهاد في سبيل الله ) وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا !؟(
فارتقب منهم ما شئت أن ترتقب من الجهاد المستميت ! وتوقع لهم ما يصور خيالك من النصر المؤزر ... ! لكن ترد عليك صورتهم وقد فرض عليهم القتال وشمرت الحرب عن ساقيها ... !!! ) فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين ( وهذه سمة خاصة من طبائع اليود ، وما درجوا عليه من التّفَلُّت من طاعة الله والنكوص عن أمر الله ونقض العهود والمواثيق ، وجاءت فاصلة الآية تشي صورة موقفهم بالقبح والاشمئزاز ، وتحمل على استنكاره واستهجانه ) والله عليم بالظالمين ( وأي ظلم أعظم من خيانة عهد الله وميثاقه ؛ وخذلان نبيه وعصيان شرعه بالتولي عن الجهاد في سبيل الله والفرار يوم الزحف !! ؟؟ [3]
وتأمل هذا التصوير البارع بمطلع يثير الخيال ويستجمع شتات الذهن ؛ إذ توجه إليه بخطاب مباشر عام ، يعم كل امرئ من الناس ، قال الله تعالى : )ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ، ربنا أبصرنا وسمعنا ، فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ( [4]
(يتبع بإذن الله تعالى)
---------------------------------------
[1] ) من سورة البقرة : 246
[2] ) شبه حال من لم ير الحادث بحال من رآه ، فلا يصح أن يخفى عليه ، وينبغي له أن يتعجب منه . وأجرى الكلام معه كما يجريه مع من رآه ؛ للمبالغة في شهرته وعراقته في إثارة التعجب .
[3] ) انظر روح المعاني : ج2ص138 و142-143
[4] ) سورة السجدة : 12
منقول من صفحة اسلاميات